تطوير

القطاع العقاري المصري بين الفرص والتحديات


Thu 18 Dec 2025 | 09:48 AM
فتح الله فوزى
فتح الله فوزى
بقلم م. فتح الله فوزى

يمر القطاع العقاري المصري بمرحلة مفصلية تتطلب إعادة ضبط العلاقة بين جميع أطراف المنظومة العقارية، في ظل توسع عمراني متسارع وزيادة واضحة في حجم الاستثمارات، ومع اتساع قاعدة المتعاملين في السوق، تبرز الحاجة إلى أطر تنظيمية أكثر تطورًا تضمن التوازن بين مصالح المطورين والمستثمرين والمشترين، وتعزز مستويات الثقة والشفافية داخل أحد أهم القطاعات المؤثرة في الاقتصاد الوطني.

ورغم ما حققه السوق العقاري من نمو ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، مدفوعًا بالمشروعات القومية الكبرى والتوسع في المدن الجديدة، فإن هذا النمو لم يصاحبه بالضرورة تطور مماثل في مستويات التنظيم وتوافر البيانات الدقيقة، وقد انعكس ذلك على سلوكيات السوق، حيث ما زالت قرارات الشراء والاستثمار في كثير من الأحيان تعتمد على التقديرات الفردية والمضاربات، ما يؤدي إلى تشوهات سعرية ويحد من كفاءة التسعير العادل للأصول العقارية.

ويواجه القطاع عددًا من التحديات الهيكلية، في مقدمتها نقص قواعد البيانات الموثوقة، وتفاوت مستويات الاحترافية بين الممارسين، إلى جانب انخفاض وعي بعض المشترين بحقوقهم والتزاماتهم التعاقدية. ومن منظور اقتصادي، تؤدي هذه العوامل إلى رفع مستوى المخاطر داخل السوق، وتضعف قدرته على جذب استثمارات طويلة الأجل، كما تحد من مساهمته المستدامة في النمو الاقتصادي.

وانطلاقًا من ذلك، يصبح تطوير الإطار التنظيمي ضرورة ملحّة، من خلال تعزيز الرقابة على الوسطاء والمطورين، ووضع معايير واضحة لممارسة النشاط، إلى جانب إطلاق منصات رقمية توفر معلومات دقيقة وشفافة عن حجم المعروض ومستويات الطلب ونطاقات الأسعار. كما تمثل التوعية العقارية عنصرًا أساسيًا في تحسين كفاءة السوق، عبر تمكين المشترين من اتخاذ قرارات مبنية على الفحص والتدقيق والمعرفة الكاملة بالحقوق والالتزامات.

وتُعد حماية المستهلك أحد المحاور الرئيسية لتحقيق الاستقرار في السوق العقاري، وهو ما يتطلب وضوحًا أكبر في العقود، وتوفير آليات فعالة لتلقي الشكاوى وحل النزاعات، بما يعزز الثقة ويحد من النزاعات التي تستنزف الوقت والموارد. وفي المقابل، تقع مسؤولية مباشرة على المشترين بعدم التوقيع على أي تعاقدات قبل مراجعتها قانونيًا، والتحقق من موثوقية الوسطاء والمطورين باستخدام القنوات الرسمية المتاحة.

إن التحول نحو سوق عقاري أكثر نضجًا وشفافية لا ينعكس فقط على حماية الأطراف المتعاملة، بل يسهم أيضًا في رفع كفاءة القطاع وزيادة جاذبيته الاستثمارية، خاصة مع التوجه المتزايد نحو اعتماد التقنيات العقارية الحديثة، التي تلعب دورًا مهمًا في تحسين إدارة الأصول، ودقة التسعير، وسرعة تداول المعلومات. كما أن وجود تشريعات واضحة وحوكمة فعالة من شأنه أن يعزز الاستقرار، ويدعم الابتكار، ويقوي مساهمة القطاع العقاري في الاقتصاد الوطني.

وفي المحصلة، فإن مستقبل القطاع العقاري المصري مرهون بقدرته على الانتقال من مرحلة النمو الكمي إلى مرحلة النضج النوعي، حيث تصبح الشفافية والتنظيم والاحترافية مرتكزات أساسية لبناء سوق متوازن ومستدام، قادر على تعزيز الثقة بين جميع الأطراف، ودعم جودة الحياة للمواطنين، وترسيخ مكانة العقار كأحد المحركات الرئيسية للاقتصاد المصري.