النص الكامل لكلمة وسام فتوح أمين عام اتحاد المصارف العربية في ملتقى "رؤساء إدارات المخاطر


Fri 04 Jul 2025 | 01:21 PM
وسام فتوح
وسام فتوح
يوسف المصري

افتتح وسام فتوح أمين عام اتحاد المصارف العربية ملقتي رؤساء إدارات المخاطر بدورته السابعة، الذي تستضيفه مدينة شرم الشيخ الحاضرة دوماً لجمع الأشقاء العرب لالقاء الضوء والتفاكر في مختلف التطوّرات والمستجدات الاقتصادية والمالية والمصرفية. وتقدم بالشكر والتقدير إلى محافظ البنك المركزي المصري حسن عبد الله على رعايته فعاليات هذا الملتقى، والشكر والتقدير موصولين إلى اللواء خالد مبارك محافظ جنوب سيناء على حفاوة الإستقبال وتقديم الدعم والرعاية لأعمال هذا المؤتمر.

وأضاف أن تتشابك التحديات وتتعاظم الضغوط التي تواجهها المصارف العربية، ما يعزز من أهمية اللقاء وتبادل التجارب والخبرات لإعادة ضبط البوصلة في مواجهة المتغيرات المتشابكة.

وتضمنت كلمته التى القاها في ظلّ التحديات المتعاظمة والمعقّدة، تحوّلت إدارة المخاطر من وظيفة فنية متخصصة إلى ثقافة مؤسسية شاملة، تتغلغل في عمق الهيكل المصرفي وتؤثر على جميع مستوياته التشغيلية والاستراتيجية. فلم يعد كافياً أن تراقب إدارة المخاطر المؤشرات التقليدية، بل أصبحت مُطالبة باستشراف المستقبل،،،، وتقديم رؤى دقيقة لصنّاع القرار في أوقات عدم اليقين. حيث يؤكد الواقع الذي نعيشه اليوم، أنّ بيئة المخاطر في العالم تشهد تصاعداً واضحاً على أكثر من مستوى، ما يستوجب تطوير أدوات التحليل، وإعادة تعريف أولويات إدارة المخاطر بما يتناسب مع هذا الواقع المتغير.

ومن أبرز المحاور التي تستحق الوقوف عندها، هي التحديثات الأخيرة لإطار بازل 3، والتي أصبحت تُعرف في بعض الدوائر التنظيمية بإسم "بازل 4"، نظراً لعمق التغييرات التي أدخلتها. فهذه الإصلاحات التي بدأ تطبيقها تدريجياً في عدد من الدول، تهدف إلى تعزيز متانة رأس المال وجودته، وإعادة ضبط نماذج المخاطر الداخلية، وتقييد الفجوات بين المصارف في احتساب الأصول المرجّحة بالمخاطر.

وعلى الرغم من أهمية هذه الإصلاحات في تقوية استقرار النظام المصرفي، فإنها تطرح تحديات جدية أمام المصارف العربية، خاصة على مستوى الكلفة المالية والتقنية والبشرية المطلوبة للتكيّف معها. وهذا يستدعي دعم المصارف في بناء قدراتها الداخلية وتعزيز كفاءات إدارات المخاطر، مع ضرورة تعاون وثيق مع السلطات الرقابية لوضع خارطة طريق واضحة لتطبيق تدريجي ومتوازن لهذه المتطلبات.

من جهة أخرى إذا انتقلنا إلى البيئة الجيوسياسية، نجد أن المنطقة تعاني من تصاعد غير مسبوق في المخاطر السياسية والصراعات، ما يُلقي بظلاله الثقيلة على القطاع المصرفي وعلى البيئة الاستثمارية ككل، ويُشكّل تهديداً مباشراً لاستقرار الأنظمة المالية. فالنزاعات الممتدة في فلسطين واليمن والسودان وسوريا ولبنان، والتي تتسم بمدد زمنية طويلة وتعقيدات داخلية وإقليمية، أدت إلى اضطرابات اقتصادية واجتماعية عميقة انعكست سلباً على الأسواق المالية المحلية والإقليمية. إلى جانب ذلك، أضافت التوترات في البحر الأحمر وأزمات أمن الملاحة البحرية ضغطاً إضافياً على حركة التجارة والاستثمار في المنطقة، مما زايد من حالة عدم اليقين في الأسواق.

ولا يمكننا إغفال النزاع الأخير الذي حصل بين إيران وإسرائيل، والذي وسّع من رقعة المخاطر الأمنية وخلق حالة من التوتر الذي إنعكس سلباً على الاستقرار الإقليمي، وعلى تدفقات رؤوس الأموال، والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وكذلك على ثقة العملاء والمودعين في المؤسسات المصرفية.

في الوقت ذاته، تؤثر الحرب المستمرة في أوكرانيا على أسعار السلع الأساسية، لا سيما الغذاء والطاقة، بما يؤدي إلى زيادة تكلفة المعيشة وإرتفاع التضخّم وإضعاف القوّة الشرائية وتقليص الطلب الكليّ، أو تقلبات في البيئة الإقتصادية الكلية، مما يزيد من تحديات إدارة المخاطر في المصارف.

يرفع هذا الواقع من مستوى انكشاف المصارف على مخاطر متعددة الأوجه؛ فالمخاطر السيادية ترتفع مع تدهور الأوضاع السياسية، وتزداد مخاطر الائتمان نتيجة تراجع قدرة المقترضين على الوفاء بالتزاماتهم، كما تتصاعد المخاطر التشغيلية بسبب اضطرابات الأعمال وعدم الاستقرار الأمني. وما يجعل الوضع أكثر تعقيداً هو أن هذه المخاطر تتداخل وتتفاعل بشكل ديناميكي، مما يصعب على المصارف توقعها أو احتواؤها باستخدام الأدوات التقليدية فقط.

أيّها السيدات والسادة،،، لا تقلّ خطورة عما سبق، ظاهرة تزايد مستويات الدين العام في العديد من الدول العربية، والتي بدأت تُشكّل ضغطاً حقيقياً ومتصاعداً على القطاع المصرفي والاقتصاد الكلي في آن معاً. فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً مطّرداً في معدلات الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، حتى تجاوزت في بعض الحالات 100%، بل وصلت إلى مستويات تقارب أو تفوق 150%، وهو ما يدق ناقوس الخطر بشأن الاستدامة المالية.

إن هذه المستويات المرتفعة من الدين لا تمثل فقط عبئاً على الموازنات العامة للدول، بل تخلق ما يُعرف بظاهرة "مزاحمة القطاع الخاص"، حيث تجد الحكومات نفسها تلجأ بشكل مفرط إلى الاقتراض من الجهاز المصرفي المحلي، ما يؤدي إلى تقليص حجم الائتمان المتاح للقطاع الخاص، وخصوصاً للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تُعد المحرك الأساسي للنمو وخلق فرص العمل. ونتيجة لذلك، تدخل المصارف في حلقة ضيقة من التمويل مُتركزة بشكل غير صحي على أدوات الدين السيادي، ما يضعف التنويع الائتماني، ويؤثر على جودة المحافظ الائتمانية، ويُفاقم من ارتباط استقرار المصارف بملاءة الدولة المالية – وخاصةً إذا كانت المصارف تحمل كميات كبيرة من السندات الحكومية.

وقد نبه صندوق النقد الدولي مراراً إلى هذه الإشكالية، حيث أشار في تقاريره الإقليمية والدولية إلى ضرورة اعتماد مقاربات أكثر انضباطاً في إدارة الدين العام، بدءاً من تحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتوسيع القاعدة الضريبية دون إثقال كاهل الشرائح الضعيفة، وصولاً إلى وضع استراتيجيات تمويل توازن بين الاستدانة الخارجية والمحلية، وتضمن عدم مزاحمة القطاع الخاص. كما دعا الصندوق إلى خفض الاعتماد المفرط على الجهاز المصرفي في تمويل العجز، من خلال تنويع مصادر التمويل وتفعيل أدوات الدين العام في السوق المالية.

ومن هنا، فإن اتحاد المصارف العربية يؤكد أهمية تعزيز الثقافة المالية العامة في أوساط صانعي القرار، وربط مسارات الإصلاح المالي بالأمن المصرفي، لما في ذلك من أثر مباشر على استقرار النظام المالي العربي واستدامته في المديين المتوسط والطويل.

في خضم كل تلك التحديات، لا يمكننا أن نغفل عن بروز لاعبين ماليين جدد يهددون البنية التقليدية للقطاع المصرفي، وعلى رأسهم المنصات المالية اللامركزية التي باتت تستقطب شريحة متزايدة من المستخدمين حول العالم. مثل منصّة Binance أو غيرها؛ وهم من أبرز هذه الكيانات، فهي تمثل نموذجاً لصعود المنصات الرقمية التي تعمل خارج الرقابة المصرفية التقليدية، ما يطرح تحديات خطيرة تتعلق بالشفافية، ومكافحة غسل الأموال، وحماية المستهلك؛ بالرغم مما تحققه من كفاءة وسرعة وإنتشار. ولكن غياب الأطر التنظيمية لهذه الكيانات هي المشكلة الرئيسية.

وتطرق بأنّ إتحاد المصارف العربية يدرك حجم التحديات التي تواجه إدارات المخاطر في مصارفنا، ويؤكد التزامه الدائم بدعم هذه الإدارات من خلال تعزيز المعرفة والتدريب، وخلق مساحات للحوار وتبادل الخبرات. كما يدعو إلى تعزيز التعاون بين المصارف والسلطات الرقابية لبناء بيئة تنظيمية متكاملة تُوازن بين متطلبات الامتثال وضرورات الابتكار.