حققت الأسواق الناشئة في عام 2025 أداءً استثنائيًا رغم التحديات العالمية الكبيرة مثل الرسوم الجمركية والحروب التجارية والاضطرابات الجيوسياسية. في وقت يشهد فيه عدد من المستثمرين توقعات إيجابية حول استمرارية هذا الأداء في العام المقبل، يعزو الخبراء هذه النتائج إلى تحسن الأسس الاقتصادية في العديد من الدول الناشئة، إلى جانب التغيرات في سلوك التدفقات الرأسمالية عالميًا.
شهدت الأسواق الناشئة في عام 2025 انتعاشًا ملحوظًا، حيث تمكنت من تحقيق عوائد استثنائية مقارنة بالظروف العالمية الصعبة. هذه الأسواق التي اعتادت على مواجهة الضغوط الناتجة عن الحروب التجارية والرسوم الجمركية، استطاعت الحفاظ على استقرارها وتعزيز أدائها بفضل مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية، التي نفذتها بعض الدول الناشئة بالتعاون مع مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي.
أداء قوي رغم التحديات العالمية
قالت إلينا ثيودوراكوبولو، المديرة العامة لشركة مانوليف لإدارة الاستثمارات، إن الأسواق الناشئة استفادت من "مزيج من السياسات الجيدة والحظ الجيد"، مشيرة إلى أن هذه العوامل ستستمر في التأثير الإيجابي خلال العام المقبل.
على الرغم من تقلبات السياسة الأمريكية وعودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، التي عادة ما تدفع المستثمرين إلى الملاذات الآمنة مثل الدولار الأمريكي وسندات الخزانة، كان عام 2025 مختلفًا. حيث أدت التعريفات الجمركية المتغيرة، والضغوط السياسية على الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، إلى تراجع جاذبية هذه الملاذات، مما دفع المستثمرين إلى تنويع محافظهم بعيدًا عن الولايات المتحدة.
التدفقات الرأسمالية الجديدة إلى الأسواق الناشئة
وأشار توماس هوغارد، مدير المحافظ الاستثمارية في جانوس هندرسون، إلى أن عام 2025 شهد زيادة كبيرة في الإقبال على ديون الأسواق الناشئة، بعد سنوات من التدفقات الخارجة، وذلك بفضل التحولات الهيكلية في سياسات هذه الدول. حيث بدأت العديد من الاقتصادات الناشئة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذريّة، ساعدت في خفض المخاطر وزيادة الاستقرار الاقتصادي.
إصلاحات اقتصادية محورية
جاءت العديد من الأسواق الناشئة في 2025 بعد تنفيذ إصلاحات جوهرية، مثل:
مصر التي استمرت في تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي بدعم من صندوق النقد الدولي.
تركيا التي تحولت إلى سياسات اقتصادية أكثر تحفظًا منذ منتصف 2023.
نيجيريا التي ألغت الدعم وخفضت قيمة عملتها، النيرة.
غانا وزامبيا وسريلانكا التي سجلت تحسنًا في تصنيفاتها الائتمانية بعد فترات تعثر سابقة.
وقالت جوليا بيليجريني من اليانز غلوبال إنفستورز، إن هذه الدول أصبحت أكثر قدرة على امتصاص الصدمات بفضل الأسس الاقتصادية القوية التي بنيت عليها.
البنوك المركزية والحوكمة النقدية
من العوامل المهمة التي أسهمت في الأداء القوي للأسواق الناشئة هو استقلالية البنوك المركزية. قال تشارلز دي كوينسوناس من شركة إم آند جي، إن مصداقية السياسة النقدية في هذه الأسواق ربما تكون في أعلى مستوياتها، بعد أن سبقت بعض البنوك المركزية الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض الفائدة دون إفراط. ساهم ذلك في تحسين أداء العملات المحلية للأسواق الناشئة، خاصة مع تراجع قيمة الدولار الأمريكي، مما عزز الإقبال على سندات العملات المحلية التي حققت عوائد كبيرة وصلت إلى نحو 18% في عام 2025.
التحديات المستقبلية والتوقعات للعام المقبل
رغم التفاؤل السائد، يبقى الاقتصاد الأمريكي الخطر الأكبر، حيث أن أي ركود اقتصادي أو رفع جديد للفائدة قد يؤثر سلبًا على الأسواق الناشئة. ومع ذلك، يرى المحللون أن حساسية هذه الأسواق تجاه التغيرات الأمريكية قد تراجعت بشكل ملحوظ مقارنة بالماضي، مما يجعلها أكثر قدرة على التكيف مع التقلبات الاقتصادية العالمية.
تحذيرات من التفاؤل المفرط
بينما يواصل التفاؤل الواسع في الأسواق الناشئة، يحذر البعض من المخاطر المحتملة لهذا التفاؤل. وأظهر استطلاع HSBC أن النظرة التشاؤمية تجاه الأسواق الناشئة اختفت تمامًا، مع وصول المعنويات إلى أعلى مستوياتها تاريخيًا. وقال ديفيد هاونر من بنك أوف أمريكا، إنه لم يجد أي مستثمر يحمل نظرة سلبية، رغم تواصله مع أكثر من 100 عميل، مشيرًا إلى أن التاريخ يوضح ضرورة الحذر عندما يتفق الجميع على اتجاه واحد للسوق.
تستمر الأسواق الناشئة في تقديم أداء قوي رغم التحديات العالمية المتزايدة. ومع تحسن الأسس الاقتصادية، والقدرة على تحمل الصدمات، هناك توقعات إيجابية لاستمرار هذا الأداء في 2026. ومع ذلك، يبقى الحذر أمرًا أساسيًا في ظل التقلبات الاقتصادية العالمية المستمرة، خاصة في الولايات المتحدة.